بسم الله الرحمن الرحيم
شمـــول الذكـــر كل الطاعـــات
قال سعيد بن جبير: كل عامل للّه بطاعة للّه، فهو ذاكر للّه. وأراد بعض السلف أن يخصص هذا العامّ، فقصر الذكر على بعض أنواعه، منهم عطاء، حيث يقول: مجالس الذكر؛ هي مجالس الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيع، وتصلي وتصوم، وتنكح وتطلق، وتحج، وأشباه ذلك. وقال القرطبي: مجلس ذكر، يعني مجلس علم وتذكير، وهي المجالس التي يذكر فيها كلام اللّه وسنة رسوله، وأخبار السلف الصالحين، وكلام الأئمة الزهاد المتقدمين، المبرأة عن التصنع والبدع، والمنزهة عن المقاصد الردية والطمع.
أدب الذكـــــر
المقصود من الذكر تزكية الأنفس، وتطهير القلوب، وإيقاظ الضمائر، وإلى هذا تشير الآية الكريمة: " وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ " [العنكبوت: 45]. أي؛ أن ذكر اللّه في النهي عن الفحشاء والمنكر، أكبر من الصلاة، وذلك أن الذاكر حين ينفتح لربه جَنانه ويلهج بذكره لسانه، يمده اللّه بنوره، فيزداد إيماناً إلى إيمانه، ويقيناً إلى يقينه، فيسكن قلبه للحق، ويطمئن به: " الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " [ الرعد: 28].
وإذا اطمأن القلب للحق، اتجه نحو المثل الأعلى، وأخذ سبيله إليه دون أن تلفته عنه نوازع الهوى، ولا دوافع الشهوة، ومن ثَمَّ عظم أمر الذكر، وجل خطره في حياة الإنسان ومن غير المعقول، أن تتحقق هذه النتائج بمجرد لفظ يلفظه اللسان؛ فإن حركة اللسان قليلة الجدوى، ما لم تكن مواطئة للقلب، وموافقة له، وقد أرشد اللّه إلى الأدب الذي ينبغي أن يكون عليه المرء أثناء الذكر، فقال: " وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآْصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ " [ الأعراف: 205].
والآية تشير إلى أنه يستحب أن يكون الذكر سرّاً، لا ترتفع به الأصوات، وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الناس رفعوا أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار، فقال: "يا أيها الناس، ارْبَعُوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تَدْعون أصمَّ ولا غائباً، إن الذي تدعونه سميع قريب، أقربُ إلى أحدِكم من عُنق راحلته"(1). كما تشير إلى حالة الرغبة والرهبة التي يحسن بالإنسان أن يتصف بها عند الذكر.
ومن الأدب، أن يكون الذاكر نظيف الثوب، طاهر البدن، طيب الرائحة؛ فإن ذلك مما يزيد النفس نشاطاً، ويستقبل القبلة ما أمكن؛ فإن خير المجالس ما استقبل به القبلة.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) أخرجه البخاري: في كتاب الجهاد، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير، برقم (2992)، وكتاب الدعوات، باب الدعاء إذا علا عقبة، برقم (6384)، ومسلم: في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم (2704)..
المصدر فقة السنة